بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كنت نائماً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، من بعد نصب وتعب من مشاغل الدنيا -وما أكثرها-.
وقد استلقيت على فراشي وغرقت في نوم عميق جداً، فاستيقظت قبيل الفجر من عطش شديد ألمّ بي . فقمت لأشرب الماء، فسمعت أنيناً يخرج من الأرض! فتلفّت حولي، فذهب الأنين، ثم ذهبت وشربت الماء وعدت إلى الفراش، وإذا بالأنين يعود مرة أخرى! وفي هذه المرة كان الأنين قوياً وكأنه صوت بكاء.
فتحسّست الأرض بيدي، حتى أمسكت "سجادتي" فسكتت، فقلت مستغرباً: أأنت التي تأنين يا سجادتي؟!
قالت: نعم..
قلت: ولماذا؟
قالت: قد أيقظك عطشك وشربت من الماء حتى ارتويت، وأنا بحاجة إلى الماء ولا أجد من يرويني الماء!!
قلت: وهل تريدين أن أحضر لكِي كأساً من الماء؟
قالت: لا.. ليس هذا الماء الذي يرويني، إنما ترويني دموع العابدين التائبين.
قلت: ومن أين لي أن آتي لكي بهذا النوع من الماء؟
قالت: وهذا هو سبب بكائي، فقم يا عبد الله وصلِّ لله ركعتين في ظلمة الليل؛ حتى تنير لك ظلمة القبر والجزاء من جنس العمل، ولم يبقَ من الوقت إلا القليل وبعدها يؤذن لصلاة الفجر.
قلت: دعيني وشأني يا سجادتي.
قالت: يا عبد الله قم لصلاة الفجر فإنها حياة للقلب والروح، وقد حان موعد الأذان ليردد "الصلاة خير من النوم"، وأنت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم بالليل وبالنهار ولا تستجيب لنداء العزيز القهار؟!!
قلت متضايقاً: دعيني أنام يا سجادتي.. فأنتِ تشاهديني كل يوم لا أعود إلا وأنا مرهق متعب. ثم أخذ اللحاف ووضعه على صدره فشعر بالدفء واستسلم لسلطان النوم.
قالت: يا عبد الله، وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك؟
قلت بلغة تهكمية: اسكتي يا سجادتي، أرجوك لا تتكلمي؛ فإنني متعب ومرهق وأريد أن أنام..
فسكتت السجادة برهة متأثرة بما قاله عبد الله وقالت بصوت حزين: آه لرجال الفجر!! آه لرجال الفجر!!
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (يعني الفجر والعصر) ». رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم « من صلى البردين دخل الجنة ». رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام:« ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ». رواه البخاري.
فانتبه عبد الله من غفلته وقال: فعلاً إن صلاة الفجر مهمة.
السجادة: قم يا عبد الله.. قم.
قال: غداً أبدأ إن شاء الله، ولكن اتركيني اليوم لأنام فأنا مرهق.
السجادة -وهي متحسرة-: "من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال"
ثم قالت: ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله، وتذكر كلامي ونصحي.
ثم تركته ونام عبد الله ولكن!! كانت أطول نومه ينامها في حياته، فقد قبض من تلك الساعة..
فأنشدت السجادة حين علمت بموته قائلة:
يا من يعدّ غداً لتوبته
أعَلى يقين من بلوغ غد؟
المرء في زلل على أمل
ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد
ولعل يومك آخر العدد